موقع المنهج الهاشمي الدرقاوي الشاذلي
 

الشيخ محمد العربي الدرقاوي

هو أبو المعالي مولاي محمّد العربي بن أحمد الدرقاويّ الإدريسي الحسني.
ولد مولانا ( محمّد العربيّ الدرقاويّ ) رضي الله عنه سنة 1159هـ الموافق 1745م بقبيلة بني زروال.
كان وقت صباه مشتغلا بالقراءة والزيارة لا يعرف إلاّ الأخيار.
وجدّه الّذي ينسب إليه هو الإمام (أبو عبد الله سيّديّ محمد بن يوسف الملقّب بأبي درقة) حيث كان عظيم القدر، شهير الذكر، وكان عالما عاملا زاهدا كثير القيام والصيام والصدقة، يختم القرآن الكريم كلّ يوم، مجاهدا في سبيل الله، وكانت له درقة يتّقي بها في الحرب، فصار يقال له (أبو درقة)، وهو من ذريّة مولانا (أحمد بن إدريس ابن مولانا إدريس)
أخذ المعرفة عن الشيخ العارف علي الجمل الفاسي بسنده المتصل إلى الإمام العلامة العارف بالله سيدي (ابن عطاء الله السكندريّ) صاحب الحكم العطائية عن الإمام (أبي العبّاس المرسيّ) عن الإمام (أبي الحسن الشاذليّ) .
كان زاهدًا متجردًا عن الدنيا و زخرفها، مخالفاً لنفسه و مجاهدًا لها، يترك الأخف عليها، و يتابع ما يثقل عليها، إذ لا يثقل عليها إلاَّ ما كان حقًّا.
وكان مقبلا على الحق، معرضا عن جملة الخلق، لا يبالي بهم، سواءً مدحوه أو ذموه، متمسكا بالفاقة والافتقار، مؤثرا للذلة والاحتقار، لا يترك عشاءه لغدائه، ولا من غدائه لعشائه، بل يأخذ قدر ما يقيم به بنيته وبنية عياله، ويخرج الباقي لعباد الله، وهذا مسلكٌ عظيمٌ لا يقدرُ عليه إلاَّ من أقدره الله.

بنى الشيخ العربي الدرقاوي طريقته على:
- تعلم لوازم الدين الضرورية أولا من غير تغلغل وتعمق في العلوم (للمبتدئين) والقيام بالمفروض وبما تأكد من المسنون
- لزوم الصمت والإقلال من الأكل والمخالطة وترك ما لا يعني، والزهد في الدنيا والتجرد من العلائق والعوائق ظاهرا وباطنا.
- المثابرة على ذكر الله عز وجل حسب الاستطاعة.
- المعرفة بالله والتعلق به والقيام بالعبودية الخالصة من غير نظر إلى حظوظ أو لحوظ .

يقول العلامة المحـدث محمد بن جعفر الكتاني فيه: "وطريقته مبنية على إتباع السنة من الأقوال والأفعال والعبادات والطاعات، ومجانبة البدع كلها في جميع الحالات، مع كسر النفس وإسقاط التدبير والاختيار والتبري من الدعوى والاقتدار والإكثار من الذكر أناء الليل وأطراف النهار، والاشتغال بالمذاكرة وما يعني وترك ما لا يعني، وبالجملة فطريقته رضي الله عنه جلاجية الظاهر، جمالية الباطن، وإن شئت قلت سفلية الظاهر وعلوية الباطن كطريقة شيخه.
من أشهر الشيوخ الآخذين عنه :
- العارف بالله سيدي محمد بن أحمد البوزيدي صاحب كتاب (الآداب المرضية لسالك طريق الصوفية)
- العــلامة المفســر الحجة الفقيه العارف بالله سيدي أحمد بن عجيبة الحسني صاحب كتاب: (إيقاظ الهمم في شرح الحكم)
- والعارف بالله سيدي أبو عزة المهاجي والعارف بالله الواصل شيخ مشايخنا سيدي محمد بن عبد القــادر الباشا.
- العلامة الفقيه سيدي محمد الحراق التطواني.

وممن انضوى في سلك منهجه بعد وفاته ممن اتصلوا به سندا السلطان عبد الحميد خان الثاني سلطان الدولة العثمانية الذي شيخه هو سيدي محمود أبو الشامات الدمشقي.
وكذلك الأمير عبد القادر الجزائري، كان قادريا بداية ثم اتصل بالطريقة الدرقاوية بمكة المشرفة على يد العارف بالله محمد بن مسعود الفاسي عن الشيخ محمد حسن المدني عن سيدي مولاي العربي الدرقاوي.
وكذلك الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بطل الريف.
وممن سلك منهجه من العلماء :
- العلامة الأصــولي المحقق المدقق سيدي أبو العباس أحمد بن الخياط الزكاري رئيس المجلس العلمي بالقرويين (فــاس)
- العلامة سيدي محمد الأحمدي الظــواهري شيخ الأزهر الشريف في العشرينات.
- العلامة الفقيه سيدي شعيب الجليلي قاضي تلمســان.
ومن المحدثين والحفــاظ :
- المحدث نادرة العصر أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري دفين مصر.
- وكذلك إخوته الحفــاظ المحدثون : سيدي عبد الله وسيدي عبد العزيز وسيدي عبد الحي الغماريون.
- الحافظ محمد بن جعفر الكتاني.
- العلامة الحافظ أحمد الخضر الفاسي.
- الحافظ حبيب الرحمن الكاظمي
- وغيرهم.

ومن أقواله :
- إنّ الإكسير الحقيقيّ يا أخي الّذي يقلب الأعيان حقيقة لا محالة ويملك به الإنسان نفسه والإنس والجنّ، وما لا يتصوّره في عقله ويفوز بخيريّ الدنيا والآخرة هو ما أتانا به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الله تعالى في كتابه العزيز : ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا / الحشر آية / 7 )، وإن شئت قلت هو الفطرة والنيّة والمحبّة والقناعة والمسكنة والصدق والشوق والعشق والتواضع والظنّ الحسن والخلق الحسن والسخاء والحياء والوفاء بالعهد، والوقوف عند الحدّ والتذلّل لله، والصبر على ابتلاء الله، والاكتفاء بالله وتعظيم شرائع دين الله، أو نقول متابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، ومتابعة الثقات الكبار من الأمّة المحمّديّة وهم كثيرون أحياء وميّتين رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا ببركاتهم، إلاّ إنّهم لا يعرفهم إلاّ من وصل مقامهم أو من وقف على آثارهم فاستدلّ بها عليهم، ولا يعرف ذلك إلاّ الحاذق اللبيب من أهل العلم رضي الله عنهم ولا يعرفه غيرهم، فمن أعطاه الله هذا الإكسير الّذي ليس له نظير فقد أعطاه الخير الكبير والسرّ الواضح الشهير.
معرفته :
كان آية بالمعرفة بكتاب الله والعمل والكرم والحلم والصبر والتأنّي والفقه والورع والرحمة والتوكّل.
وكان غارقا في بحر الحقيقة، وأوتي الجذب مع القوّة والتمكين والرسوخ في المعرفة واليقين.
شرب من الخمرة الأزليّة صفوا وورد من منهلها الأروى.

ويقول رحمة الله عليه :
إنّ المؤمن تحصل له الطمأنينة بذكر ربّه حتّى لا يحزنه الفزع الأكبر يوم القيامة، وليس الذكر عندنا أن يقول الذاكر (الله، الله ) دائما ويصلّي ويصوم كذلك، وحين تصيبه مصيبة يفتّش على ما بيده من الأعمال فلا يجد منها شيئا، بل الذكر عند أهل التحقيق رضي الله عنهم : أن يقول الذاكر بما لا بدّ منه من المأمورات، وحين يتجلّى له مولاه بما يخالف هواه يجهله ولا يعرفه فافهم فهّمنا الله وإيّاك آمين، واصبر على ربّك واشدّد يدك على الصبر عليه فإنّه سبحانه وتعالى يغطّي ضعفك بقوّته، وذلّك بعزّته، وفقرك بغناه،وعجزك بقدرته، وجهلك بعلمه، وغضبك بحلمه، وهكذا عندها تحيى الحياة الأبديّة في الدنيا والآخرة، ولا تخفاك الحياة الأبديّة إذ قال الله تعالى في أهلها : ( ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخوانا على سرّر متقابلين * لا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين / الحجرات آية / 47 ، 48 )، وقال صلّى الله عليه وسلّم : ( ومن أدى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتّى تعلموا أن قد كافأتموه ) رواه النسائي في سننه، وكلّ ذلك حتّى يتخلّص القلب من رقّ إحسان الخلق ويتعلّق بالملك الحقّ .
ويقول رحمة الله عليه :
إنّ حلقة الذكر سواء وقوفا أو قعودا هي شعار طريق التصوّف بما في ذلك الذكر من الإجلال والتعظيم لله جماعة وبلسان واحد وميلة واحدة، والقصر في اسم الجلالة باللسان والصدر على حسب المراتب، وتشبيك الأيدي في القيام، وإنشاد الأبيات بالمعاني الرقيقة وتغزّلات الحقيقة الّتي اصطلح الصوفية رضي الله عنهم عليها، وهنالك فيكون المبتدىء والمتوسّط والمنتهي، وطالب التبرّك وذو المحبّة كلّهم فيها سواء كالصلاة، وكلّ واحد منهم يجني من ثمرة ذكره بحسب مكانته من ربّه وقدره.
قال: وكذلك يجوز للنساء أن يذكرن إن كنّ وحدهنّ بموضع خال.
ويقول رحمة الله عليه : إنّ الخير كلّه في ذكر الله سبحانه وتعالى: ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما / الأحزاب آية35/)، ( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون / البقرة آية / 152)، إنّ الذكر له فضل عظيم، والغفلة مذمومة أصلا، فإنّنا نحتاج إلى مخالفة أنفسنا وأهواءنا إذ ذلك ينتج العلم الوهبيّ، والعلم الوهبيّ ينتج اليقين الكبير، ويخلّصنا من الشكوك والأوهام، ويوصلنا إلى حضرة الملك العلاّم، سبحانه لا إله إلاّ هو .
و يقول:
فأهل مقام الفناء ذات الحقّ عندهم عين صفاته لأنّهم لمّا فنوا لم يشهدوا قطّ سواها، فلذلك يقال لهم الذاتيّيون، ولِذاتِ الحقّ من الكمال والحسن والجمال ما تحيّرت فيه عقول الكلّ من خاصّتهم، لأنّها تلطّفت ودقّت حتّى غابت من شدّة تلطّفها ورقّتها، فلمّا غابت قالت لنفسها : كمالي وحسني وجمالي وبهائي وعلوّي وارتفاعي لا انتهاء له وقد غاب ولم يظهر، والكمال لا يكون كمالا كما هو كامل إذا كان حاضرا كما هو غائبا، وكما هو لطيفا يكون كثيفا، وكما هو قريبا يكون بعيدا، وكما هو جلاليّا يكون جماليّا وهكذا، وإن شئت قلت : صورتها قد أظهرت جمالها فيها ولم تظهر لها في نفسها إذ هي إلاّ هي، وليس ثمّ شيء سواها.

ويقول رحمة الله عليه :
إنّ الروح والنفس شيء واحد نورانيّ من عين النور لأنّ لهما وصفين وهما :الصفاء والكدر، والأصل هو الصفاء، والفرع هو الكدر، فما دامت الروح على صفائها وحسنها وبهائها وجمالها وشرفها وعلوّها وارتفاعها فهي الروح،
وإذا تركت ما هي عليه من هذه الصفات وتكدّرت بمفارقتها لوطنها وسكونها لغير أحبّتها صدق عليها إذ ذاك اسم النفس، وتسمّى حسب مراتبها ( أمّارة، لوّامة، وغير ذلك ) كما تسمّى بحسب مراتبها العليّة وهي كثيرة جدّا، وقد قيل : إنّ لها من النقائص ما لله من الكمالات، فإن شئت أن ترجع إلى وطنك الّذي جئت منه وهو عالم الصفاء، وتترك عنك وطن غيرك وهو عالم الكدر فإليك ما هو القول الفصل : (انسلخ من عالم الكدر كما تنسلخ الشاة من جلدها وانسه ولا تذكره قط وذلك بديمومتك لذكر الله على مصطلح أهل لا إله إلاّ الله فإنّ نورانيّتك تتقوّى وترد عليك المعاني بجيوشها العظيمة، ثمّ تحملك سريعا إلى وطنك الأمّ الأصيل ، والأشياء تظهر حقائقها في التجريب حيث يقول الصالحون رضوان الله عليهم : (من ذاق عرف)، لأنّ الروح لها من الأسرار ما لا يعدّ ولا يحصى، ولكن يبقى العجز هو وصف العبد مهما ارتقى، وقد مدح الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بهذا المقام حيث قال: سبحان الّذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله / الإسراء آية / 1 )، ولم يقل بنبيّه ولا برسوله، وإنّما اختار اسم العبد لأنّ العبوديّة هي الشرف الأسمى وأشرف التسليم .
ويقول رحمة الله عليه :
فاحذر من ميل قلبك إلى نفسك إذ هو من نفاد القلب وميله إليها هو اتباعه الأخفّ عليها دون الأثقل كما عند القوم رضي الله عنهم، وأن تكون دائما على ما يثقل على نفسك لا على ما يخفّ عليها إلى أن تفنى، فإنّ مخالفة الهوى تنتج العلم الوهبيّ، والعلم الوهبيّ ينتج اليقين الكبير، واليقين الكبير ينفي الشكوك والأوهام، ويزجّ صاحبة بحضرة الملك العلاّم، فمن ذكر ربّه على الدوام نسي نفسه على الدوام .

ويقول رحمة الله عليه :
الوهم باطل كما علمت أيّها الفقير، لكن إذا اعتبرته منعك من سفرك إلى ربّك وخلاّك معك تخوض فيك تائها عن ربّك والعياذ بالله، وإذا لم تعتبره ذهب عنك شرّه وأتاك خيره إذ بعكس رأيه ورأي النفس ورأي الشيطان يحصل السير للسائرين ويطيب وقتهم كلّ وقت وحيـــــن .
ويقول:
إن شئت أن تطوى لك الطريق وتحصل في ساعة على التحقيق فعليك بالواجبات وبما تأكّد من نوافل الخيرات، وتعلّم من علم الظاهر ما لا بدّ منه، وخالف هواك تر عجبا، والتصوّف هو الخلق الكريم، وهو الدين عند أهل الدين، وفرّ من حسّك لأنّه ضدّ معناك والضدّان لا يجتمعان، وإن تقويّت من جهة المعاني ضعفت من جهة الحسّ والعكس كذلك .
ويقول:
إنّ نصحي لك أيّها الفقير أن تقوم بالمفروض وبما تأكّد من المسنون، وإنّه كما قال سيّدي البوصيري رضي الله عنه في ( بردته ) وسيّدي (ابن عطاء الله) رضي الله عنه في حكمه : من استغرب أن ينقذه الله من شهواته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز قدرة الله، وكان الله على كلّ شيء مقتدرا، من هنا فلا نحبّ إلاّ من يقوم بالواجبات وبما تأكّد من نوافل الخير .
ويقول رضي الله عنه : اعلم إنّ الماء الّذي لا يجري دائما إلى أسفل تواضعا لله تعالى يرفعه الله تعالى فيجعل منه كلّ شيء حيّ كما قال تعالى : ( وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ / الأنبياء آية / 30) ( وهو الّذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا / الفرقان آية / 54 ).
قال تعالى: ( ألم تر أنّ الله أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به من ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدّد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن النّاس والدوّاب والأنعام مختلف ألوانه )/ فاطر آية / 27 ، 28 ).
توفي مولانا-رضي الله عنه-ليلة الثلاثاء، 22 صفر الخير، 1239هجرية الموافق لسنة 1825ميلادية؛ فقد توفي عن سن عالية، نحو 80 سنة.
ودُفن بزاويته ببني زروال بحبل الزبيب، و هي على مسيرة يومين من مدينة فاس في المغرب.


          أعلى الصفحة


 
ظ…ظˆظ‚ط¹ ط§ظ„ظ…ظ†ظ‡ط¬ ط§ظ„ظ‡ط§ط´ظ…ظٹ ط§ظ„ط¯ط±ظ‚ط§ظˆظٹ ط§ظ„ط´ط§ط°ظ„ظٹ